الخميس , 23 يناير 2025

إصلاح التعليم بين الجامعات والمؤسسات الحكومية

رفع الجهل عن الشعوب من مهام الدّول والقادة،وبناء الإنسان مقدّم عن بناء الأوطان، بالتربية الصحيحة وتنمية قدراته بالعلوم والمعارف، وبالعلم تسمو الأمم وتزدهر الحضارة، وبعد انهيار الحكومة المركزية انهارت مؤسسات التعليم النظامي، أما التعليم التقليدي فلم يتأثر بالأزمة فالمدارس القرآنية مثلا والحلقات العلمية في المساجد كانت تطوعية، وجزء لا يتجزء من حياة الصوماليين سواء كانوا في الحضر او الوبر، وقبل الاستقلال أو بعده، وتلك ميزة من مميزات الهوية الإسلامية، أطال الله بقاءها.

 تخرجتُ من الثانوية بعد عقد من إطاحة الحكومة وبإشراف مظلة التعليم الأهلي في الصومال عام 2001م فوجدتٌ منحة دراسية من السودان  ومن  جامعة إفريقيا العالمية كلية العلوم، ومع أني درست  الأيام الذهبية والعصيبة معا، بأيدي أساتذة صوماليين ومصريين، وتحت صوت المدافع والرصاص لزعماء العشائر والجبهات في أحياء مقديشو، كان الطلبة  آنذاك لما التحقوا جامعات العالم  متفوقين في دراستهم، بل بعضهم  أحسن حالا ممن تخرّجوا من ثانويات حكومية من دول صديقة او شقيقة، وكنا نجلس مع البعض، ونراجع الدروس ونحلّ الواجبات سواء بسواء، وهذه الشهادة من الميدان، وليس الخبر كالمعاينة.

وبعد تخرجي من السودان والهند  قادتني فاتحة الألطاف إلى العمل في  الجامعات الأهلية في الصومال وكنت ُعقدا من الزمن من فرسانها  وقيادتها وتخرجت بيدي دفعات من طلاب  كلية الحاسوب والهندسة او الشريعة والتربية، واليوم لهم القدح المعلى واليد العليا في خدمة المجتمع الصومالي، وقد نافسوا خريجي جامعات العالم من أوربا وآسيا وأفريقيا في ميدان العمل والسوق، بل فاقوا قرناءهم في بعض المجالات، فهم اليوم يقودون منظمات دولية، ومدراء في مؤسسات حكومية وأهلية، وتقنيين  وأطباء، وذالك بعد التوظيف بالكفاءات واجتازوا الامتحانا والمقابلات، بشهادتهم لا بأنسابيهم أوولائهم السياسي، ولا ينكر هذا الأمر إلا مكابر عن الواقع.

الجودة والإصلاح مطلوبان في كل شيئ ،وتحديث المناهج أمر مستساغ  له مبرراته في كل حين، فالعالم يتغييربصورة ديناميكية، ولكل جيل طبائعه واحتياجاته، أم التعميمات التشاؤمية وإطلاق صفارة الإنذار، وكأن التعليم في المدارس في خطر وكلّ الجامعات في الصومال  لا يقدمون المطلوب فكلام بعيد عن الواقع.

والحديث عن بطالة الخريج لا علاقة له بالجامعات والمدارس، بل هناك عوامل عدة، من بينها سياسة الحكومات والوزارت في التوظيف حيث الوساطة والمحسوبية هي المعيار الوحيد، فيتقدم الكسول ويحرم المجتهد مما أدى الى ضعف الثقة بالمستقبل المهني للتعليم، وأدى الى التسيب المدرسي للناشئين وهجرة العقول، فإذا هاجر المبتعث إلى المنح الخارجية او الحامل لشهادة الجامعة عن الوطن، فالمشكلة من الواقع السياسي للبلاد، -ومع الأسف- بقيادة مثقفين آثروا الفساد والمحسوبية على الكفاءات الوطنية وهذا لا يحتاج منّا الى برهان.

فمثلا  أعرف الكثير ممن  يحملون شهادة الدكتوراة والماجستير من تخصصات كلية التربية وحرموا من التوظيف من وزارة التربية والتعليم، حيثُ أن  لكلّ كلية في الجامعات وزارة  باسمها تستوعب الخريج منها، فاذا رُفض توظيف الطبيب من وزارة الصحة، والداعية  خريج كل الشريعة من وزارة الأوقاف، فلا غرو ان يطلع الطبيب سياسيا باسم شيخ القبيلة، والجاهل طبيبا ومخترعا للأدوية، والداعية طبيبا للعلاج الروحي ومحاربة مس الجانّ، والصحفي  محاسبا، والقانوني ظابطا وجنرالا، وزعيم الجبهة وزيرا للدين والإرشاد، وهكذا دواليك، وتلك من انجازات الصوملة وقررات الزعيم الأوحد ولسان حال المشاهد المحب للوطن  كقول المتنبي بتصرف: ذوا العقل يشقى بالنعيم بعقله وأخو الصوملة في الشقاوة ينعمِ.

……………………………..

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع قراءات صومالية

عن منير عبد الله الحاج

أستاذ جامعي ومصلح اجتماعي

21 تعليق

  1. My homepage :: google:suggestrelevance (Charlotte)

  2. Take a look at my webpage … google:suggestrelevance (http://hydroconduit.biz/)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *