الخميس , 23 يناير 2025

بناء القدرة على الصمود في مجال التغذية في ظلّ الأزمة في الصومال

لطالما شكّل الوصول المحدود إلى الأغذية المغذية مشكلة مزمنة بالنسبة إلى الكثير من الأسر في الصومال، وتواجه البلاد تحديات كبيرة تتمثل في تحسين التغذية على نحو مستدام لصالح الفئات الأشد ضعفًا. وكانت الوتيرة المتزايدة لحالات الجفاف والفيضانات وغزوات الجراد الصحراوي الناجمة عن تغير المناخ، بالإضافة إلى جائحة كوفيد-19 العالمية والصراع المستمر، قد أدت جميعها إلى معاناة الصومال من أحد أعلى معدلات سوء التغذية الحاد وأسوأ مستويات نقص المغذيات الدقيقة في العالم. ومن المتوقع في عام 2023 أن يعاني نحو نصف أطفال الصومال (1.8 ملايين طفل) من سوء التغذية الحاد، ومن المحتمل أن يعاني قرابة نصف مليون طفل منهم من حالات سوء التغذية الشديد. إذ تبلغ كلفة النمط الغذائي المغذي حوالي 7 دولارات أمريكية بالنسبة إلى أسرة مكونة من خمسة أفراد، وهي كلفة يتعذر تحملها في بلد تعيش فيه نسبة 69 في المائة من السكان بأقل من دولارين أمريكيين في اليوم. كما أنّ التكاليف الباهظة تبيّن أيضًا الآثار الناجمة عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية وتقلبها، إلى جانب تزايد تكاليف الطاقة وعدم كفاءة النظم الزراعية والغذائية المحلية، التي تحول جميعها دون التمكن من الحصول على نمط غذائي مغذٍّ.

وعلى مر التاريخ، كان قدر كبير من العمل الإنساني الهادف إلى معالجة سوء التغذية في الصومال يركز على علاج حالات بعينها. بيد أنه يتعيّن بذل جهود بالقدر نفسه من أجل تهيئة التغذية الوقائية بغية بناء قدرة المجتمعات المحلية على الصمود في مجال التغذية. ومن شأن “بناء القدرة على الصمود في مجال التغذية” أن يتيح فرصًا لتحقيق نتائج تغذوية إيجابية ومستدامة على مستوى الفرد والمجتمع والبلاد في مواجهة الصدمات والضغوط. وقد اعتمدت المنظمة هذا النهج في الصومال ولقي دعم خطة العمل العالمية بشأن هزال الأطفال التابعة لها، تماشيًا مع ولايتها المتمثلة في “تغذية أفضل”، وضمان استدامة وشمولية الأمن الغذائي والتغذية للجميع.

وتتسم استراتيجية المنظمة للتغذية في الصومال، التي جرى تعميمها في جميع تدخلاتها المنفذة ضمن إطار البرمجة القطرية للفترة (2022 – 2025)، بجوانبها المتعددة حيث أنها تتناول تنويع إنتاج الأغذية المغذية واستهلاكها والتواصل/التدريب في مجال السلوك الاجتماعي وتدعيم الأغذية من أجل معالجة نقص المغذيات الدقيقة. وتعمل المنظمة من خلال هذه التدخلات مع الأسر المعيشية التي ترأسها النساء باعتبارها نقطة نفاذ إلى تحسين الأمن الغذائي والتغذية على نحو شامل في الأسر المعيشية. ومن الأمثلة على تدخلات المنظمة لبناء القدرة على الصمود في مجال التغذية المنفذة في الصومال، استخدام التحويلات النقدية الانتقالية من أجل كسر الحلقة المتكررة من وقوع الأسر المعيشية الضعيفة مجددًا في براثن انعدام الأمن الغذائي الحاد بعد انتهاء برامج المساعدة في حالات الطوارئ. ويتحقق ذلك من خلال الجمع بين الدعم النقدي والمدخرات الجماعية القروية والقروض، ومدخلات سبل العيش الذكية مناخيًا والمدخلات الكثيفة التغذية وتوفير عمليات التدريب الهادفة إلى بناء القدرة على الصمود في مجال التغذية. وثمة مثال آخر على ذلك يتجلى في الشراكة التي أبرمتها المنظمة مع برنامج الأغذية العالمي بشأن الوجبات المدرسية، حيث قمنا بدعم المدارس عن طريق توفير بذور الفواكه والخضروات من أجل ضمان الحصول على مجموعة متنوعة منها وتقديمها في وجباتها المدرسية. ونحن نعمل في المجتمعات المحلية الساحلية على تعزيز سلسلة القيمة الخاصة بالأسماك من أجل تحسين الوصول إلى الأغذية الغنية بالمغذيات على المستوى المحلي.

يكفي زيارة مركز المرضى الخارجيين في مخيم للنازحين في الصومال لتكوين فكرة عن الأشواط التي يجب أن تقطعها الصومال من أجل معالجة المشاكل الهيكلية التي تديم سوء التغذية. غير أني استبشرت خيرًا بمشروع تجريبي أطلقته المنظمة مؤخرًا في غالمودوغ في وسط الصومال ويتوجه إلى النساء الأشد عرضة للمخاطر في تلك المراكز بغية التدخل لتحسين قدرتهنّ على الصمود في مجال التغذية وذلك من خلال الحدائق البالغة الصغر. وقام هذا المشروع التجريبي الممول من الحكومة الفرنسية بتنظيم 800 امرأة من مقدمات الرعاية الرئيسيات ضمن مجموعات دعم مكونة من الأمهات وتضم بين 10 و15 امرأة، حيث يجري تزويدهن بالمدخلات اللازمة من أجل إنشاء حديقة بالغة الصغر باستخدام المواد المتاحة محليًا. وهذه الحدائق البالغة الصغر ليست سهلة الإدارة فحسب، بل إنها عالية الإنتاجية أيضًا مقارنة بحدائق المطبخ الاعتيادية بسبب احتوائها على نسبة عالية من العناصر المغذية وملاءمتها من حيث المساحة وكون تبخر المياه فيها في حده الأدنى. وتجري زراعة مجموعة متنوعة من المحاصيل الغنية بالمغذيات على طبقات مختلفة من التربة المتوفرة محليًا والمخصبة بسماد روث الماعز.

ويعزز هذا النهج التعافي المستدام من سوء التغذية والوقاية من الانتكاسات وحماية القدرة على الصمود في مجال التغذية داخل الأسر المعيشية المتضررة من الجفاف، بمن فيها الأسر النازحة. ويمكن لمس فوائد هذا النوع من التدخلات أثناء تنفيذ المشروع أو بعد انتهائه على حد سواء، بفضل دمج التثقيف الغذائي مع النهج القائمة على الأغذية حيث تهدف جميعها إلى منع (عودة) حدوث حالات سوء التغذية.

وفي هذا السياق، تتمتع الحدائق البالغة الصغر بجدوى مالية أيضًا. إذ إنها تمثل طريقة فعالة من حيث الكلفة من أجل الوقاية من الحاجة إلى علاج طويل الأجل لحالات الانتكاس التي تشكل نسبة تقدر بـحدود 15 في المائة من حالات سوء التغذية الحاد. ويتجلى توفير الكلفة بشكل أوضح باعتباره نهجًا غذائيًا وقائيًا لجميع أفراد الأسرة، حيث تبلغ الكلفة للفرد الواحد حوالي 35 دولارًا أمريكيًا في السنة، مقارنة بمتوسط الكلفة البالغ 264 دولارًا أمريكيًا لكل طفل من أجل تنفيذ تدخلات التغذية العلاجية للتعافي من سوء التغذية الحاد.

بدأ مفهوم الحدائق البالغة الصغر ينتشر حاليًا بصفته أداة لتوفير خدمات الإرشاد على مستوى المجتمع المحلي. وتعمل وزارة الزراعة والري الاتحادية على إعداد دليل موارد الحدائق المستخدمة في الطهي بهدف دعم اعتماد النهج الذي يتناسب مع واقع الصومال ويمكّن كذلك النساء من المشاركة في تعزيز الأمن الغذائي والتغذية على مستوى الأسرة المعيشية.

وفي نهاية المطاف، يتطلب بناء القدرة على الصمود في مجال التغذية في الصومال إرساء أواصر تعاون متعدد القطاعات على مختلف المستويات، حيث يشمل تعزيز نظم الأغذية وتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية وتنويع الأنماط الغذائية وبناء شبكات الأمان الاجتماعية. وعند القيام بذلك، يمكننا أن نساعد على الوقاية من سوء التغذية في صفوف الفئات الأشد ضعفًا وأن نضمن تمتع الأفراد والمجتمعات بتغذية أفضل وازدهارها حتى في أحلك الظروف.

…………………………

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع منظمة الأغذية والزراعة

عن إتيان بيتر شميت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *