مقديشـــو — في قلب العاصمة الصومالية مقديشو؛ حيث كان نسيم البحر يمتزج بروائح الحرائق والدمار وُلد عبد القادر إبراهيم سراجي لأسرة صومالية بسيطة، تتنفس الأمل رغم المعاناة، في أجواء يسودها الحب والترابط. وقد كانت قصص والده المحفِّزة عن المستقبل مُلهِمَة له، ليكون شيئاً مهمِّاً في الحياة.
في 2007 واجهت أسرة عبد القادر حدثاً مؤلماً انعكس على مجمل حياة أفرادها، إذ خطف الموت معيلها بسبب مرض مفاجئ، لتجد الأسرة نفسها بلا سند، وذلك بالتزامن مع لحظات قاسية أخرى تمثلت في الاقتتال بين الفصائل الصومالية المتناحرة مما أجبر آلاف الأسر في «مقديشو» على الهروب من بيوتهم بحثاً عن ملاذ آمن، وكان من بينها أسرة عبد القادر التي وجدت نفسها تصارع من أجل البقاء في مخيمات النزوح بضواحي العاصمة.
قسوة المخيم
كان العيش في المخيم اختباراً قاسياً لعبد القادر وأسرته، فالماء كان شحيحاً، والكهرباء نادرة، والملاجئ التي يقطنونها غير صالحة للعيش، كما كانت المدارس -إنْ وجدت- تفتقر للكتب والأثاث والمعلمين الأكفاء. ورغم ذلك كان عبد القادر الأصغر بين إخوته (7 سنوات) يحب الدراسة ويحلم بأن يتفوّق، ويكون الأول على مدرسته.
وسط هذه الظروف القاسية امتدت له ولأسرته يدٌ رحيمة من دولة قطر عبر مبادرة «رفقاء» التابعة لقطر الخيرية، لم تكن مجرد جهة داعمة تمنحهم مساعدة مالية شهرية فحسب، بل كانت شريكا في رحلة التحدي، فقد استفاد عبد القادر وإخوته من الدعم المادي في تغطية تكاليف مدارسهم، فضلاً عن الدعم النفسي عبر فِرَق قطر الخيرية التي كانت دائما موجودة بجانبهم، تُقدم لهم المشورة وتزرع في قلوبهم الطمأنينة، وهو ما عزّز طموح عبد القادر لبلوغ هدفه في مواصلة تعليمه، والمثابرة في التفوق ليصبح مستقبله أفضل.
بعثة للصين
عام 2019، شهد لحظة فارقة في حياة عبد القادر إذ حصل على المركز الخامس في امتحانات الثانوية العامة على مستوى الصومال، ليكون تتويجاً لرحلة مليئة بالكفاح والصبر والجدّ، ومنطلقا لإكمال تحقيق أحلامه العلمية، التي قادته للحصول على منحة لدراسة الطب في الصين. .قرر عبد القادر بهمته العالية قهر التحديات التي لاحت في بداية دراسته الجامعية والمتمثلة بصعوبة تعلم لغة جديدة، والتكيف مع بيئة ثقافية وعادات مختلفة، فضلاً عن موجات الحظر والإغلاق في الصين بالتزامن مع وباء كورونا، وهو ما أعاق الحياة الأكاديمية بشكل غير مسبوق آنذاك.
رسالة أمل
تمكّن عبد القادر بفضل الله من إتمام دراسة الطب بنجاح، وهو الآن في السنة التدريبية «الامتياز»، ويتطلع حالياً لاستكمال تحقيق حلمه المتمثل بالعودة للصومال بعد التخرج من دراسته العليا ليكون جزءاً من عملية تحسين النظام الصحي في بلاده، التي عانت لعقود من تدهور الرعاية الصحية جراء الكوارث والصراعات. .في اللحظة التي يقترب عبد القادر فيها جدا من قطف ثمرة تفوقه وتعبه لم ينس أن يتوجه بالشكر الجزيل لكافله الكريم الذي يعتبره شريكاً رئيساً في النجاح الذي حققه هو وإخوته، داعياً الله أن يجزيه عنه وعنهم خير الجزاء.
ووجه بهذه المناسبة رسالة أمل للشباب الذين يواجهون ظروفا معيشية صعبة وأوضاعا استثنائية مفادها ألا يستسلموا لأنه «في قلب الألم تكمن الفرص، ووسط المعاناة يتفجّر الأمل، والتعليم هو السلاح الأقوى لتغيير الحياة نحو الأفضل».
المصدر: جريدة الوطن القطرية الأصل: مشـاهدة الأصل